غيابٌ قسري /
سمراء تشبه كل شيء ، تشابه الليل حين يتسلل بليونة ، أو حين ينقض فجأة ، فيضاجع هدأة النهار ، دائماً ترتبط بالليل ، بالغروب ، بالأفول، دائماً أعرف أنها لن تبقى طويلاً معي ، كنت كلما رأيت رقتها قلت لنفسي : هذه الفاتنة خلقت .. لتموت . تستفزني عيناها ، نظراتها غريبة عني ، راقبت سطوع الحياة في عينيها ، قالت لي حين اشتد الوجع : - اتركني يا شريف . وقلت حين زاد البعد عن الحد : - فكيف أفعل يا من امتلكت الروح ؟ ولم ترد ، لكني اقتربت لمسافة أكبر من المسافة الآمنة ، صرت قريباً لدرجة وقوع حوادث خطيرة جداً . مسافة يستحيل عندها ايقاف مركبتك . الدموع تتزاحم في عينيها ، تبلل وجنتيها ، هل قلت لكم أنها سمراء ؟ فلِمَ يتورد خداها كأنها عروسٌ في ليلة زفافها تجالس رفيق العمر لأول مرة ؟ عذراء تكشف عن سرها ، تتعرى للمرة الأولى . رأيت حسنها وعريها دون أن تنزع قطعة واحدة ، اقتحمت ممالكها دون أن ألمسها ، دخلت إلى أعمق أعماقها بمجرد قبلة ! قبلةٌ كانت كفيلة بإسقاط كل حصونها ودفاعاتها ، وبخروجها من عذريتها وحيائها ، قبلة جعلتها تنساب إلى عروقي دفعة واحدة ، كأنني ابتلعتها فجأة . تلك امرأة لم أحبها بالتدريج ، بل ابتلعتها كأنها قرص فيتامين أو حبة مسكن يجعلك رغم أنفك مدمناً ، فهل تظن بإمكاني مغادرتها ؟ القبلة لم تستمر كما ظننت أنت ! بلها كانت خاطفة كأنها البرق ، كأنني اقتطفت قطعة من الجنة بغتة ، وفررت قبل أن تلاحقني عيون ملائكة السماء ، وهبطت للأرض دفعة واحدة ، المسافات اختزلتها في ثانية واحدة ، ما بين شفاهك أو لا شفاهك عالم كامل ، أجتازه في ثوان . تركتها تنساب من بين ذراعي ، تتراجع ، وصدى كلمتها لم يزل بعد : - اتركني يا شريف . - أولم أفعل ؟ تشيح بوجهها : لا يكفي أن تعطيني حريتي ! أبتسم : فماذا أفعل اذن ؟ تقترب مني مرة أخرى ، حد اقتحام نقطة الخطر ذاتها ، تطرق برأسها وعينيها ترمقني مرة واحدة ، نظرة واحدة كانت كفيلة بزلزلتي : أرغمني . أحتضنها : لا أستطيع . تغوص بين ذراعي : حاول وأعتصرها أكثر : سأحارب من أجلك ، ولن أتركك ، يكفيني أنتِ . تتمتم : ووالديَ ، والأعمام ، والجيران ... وأكمل : والأحياء والأموات ، كل الناس لن يحولوا بيننا . أنت لي مهما قلتِ ، لن يحول بيننا إلا أن تقرري أنتِ أن تتركيني . تذوب من بين ذراعي ، كأنها كانت محض سراب ، ولا تطاردني إلا ابتسامة عذبة لا تفارقها . ******* الموجة الأولى تطارد سابقاتها ، قرص الشمس استغل فرصة صفاء السماء لينقض على البحر ، الأصفر الذهبي ضرب ريشته على الماء فحوله ذهبا ، على الشاطئ قصور رمال بنتها نازك الملائكة ، وأبيات شعر للبياتي تتقافز فوق الحصى والرمال ، قال الموج للموج : -أتراه يعانق وهماً ؟ فقال الموج : بل يعانق الحب الذي لم يفارق . تستمر الحياة بوتيرتها ، وهو جالس يحتضن البحر ، والحب ، والحياة. سمراء كانت رفيقة مجلسه ، أنامله تحتضن أناملها ، شفتاه تحتضن شفتيها ، يعتب البحر ، يزأر الليل ، ينقطع الصدى ، كان البحر هو الشاهد ، وبين ثناياه احتضن الشاهد ! - اتركني يا شريف . وبين الصدى والصدى . - أرغمني . ويزداد البحر غربة ، ويزداد الليل وحشة ، ويصبح الصوت أبكمَ ، والرمل صامتاً كالوطن . ***** |
ابحث في المدونة
الأربعاء، 8 يناير 2014
غياب قسري
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق